عندما نتحدث عن السحر فسوف نتعرض لأمور متناقضة كثيرة. واذا سألت اي شخص عن السحر وكيف يراه؟ وما هو رأيه الحقيقي فيه؟ هل يصدق ان هناك فعلا في حياتنا شئ اسمه سحر؟ وكيف يري حجم تأثيره؟ وعندما يستمع الشخص منا لقصة من احد اصدقاءه او في برنامج تليفزيوني من البرامج التي تناقش هذه المسائل, هل يصدق كل ما يأتي فيها؟ ام ينقض بعض ما يشاهده ويعتبره نوع من الدجل؟ هل تنتشر مفاهيم السحر وما يدور حوله في المجتمعات العربية فقط وهل السبب في ذلك هو تخلفنا عن ركب الحضارة منذ اكثر من 600 عام تقريبا؟ ام ان الغرب ايضا يهتم بهذه الاشياء ويطلق عليها ما وراء الطبيعة او ما وراء الفيزيقا؟ هل ما نعتبره نحن العرب الجن والعفاريت هي نفسها ما يطلق عليه الغربيون الاشباح او الجوست؟ سيكون كل هذا مواضيع لنقاشنا معكم في سلسلة من المقالات الشيقة عن السحر والجن ارجو ان تستمتعوا بها.
حد فاصل بين السحر والاديان والعلم
عندما تقرأ في تاريخ الاديان وهنا نقصد كل الاديان ولا نقصر كلامنا على تاريخ الاديان التي نطلق عليها الاديان السماوية فقط وهي الديانات الابراهيمية او الرسالية “اليهودية, المسيحية, الاسلام”, ولكن نقصد كل الاديان التي عرفتها البشرية علي مدار تاريخها المختلف على بدايته اصلا ستنتبه الى ناقض الاديان مع العلم مع السحر.. فمن المعروف ان تاريخ الانسانية حسب نصوص التوراة “العهد القديم بالكتاب المقدس” بدأ منذ كان ادم على الارض منذ 6 الاف عام تقريبا وهذا يخالف بالكلية كل ما اتي به العلم الحديث وخاصة علم الحفريات الذي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان التاريخ البشري على الارض بدأ منذ ما يقارب عشرة ملايين عام ولكن مر بأطوار مختلفة اقدمها مجهول, واوسطها تم التعرف عليه ووجدت بعض الحفريات منه وهو انسان النياندرتال وهو كائن بشري شبه عاقل, ومنتصب القامة يشبه الانسان الحالي جدا, وعلى مستوى الجينات الوراثية اثبت العلم الحديث اننا نشبه هذا النوع جدا بنسبة كبيرة, ومن الابحاث المثيرة التي نشرت نتائجها حديثا تم التأكد من ان الانسان الحديث تزاوج قديما منذ ملايين السنين مع انسان النياندرتال, ولذلك توارث البشر الذين يعيشون الان على كوكب الارض امراض السكر وبعض الامراض الاخري التي ثبت ان جيناتها جاءت مباشرة من انسان النياندرتال. وقد وجدت حفرياته بمناطق عديدة في اسيا وشرق وجنوب اوروبا. اذن لدينا هنا حد فاصل بين ما يؤكده العلم الحديث, وبين ما تؤكده الاديان والنصوص المقدسة لدي المؤمنين بها, وكذلك السحر.
السحر والاديان في الحضارات القديمة
من منكم زار الاثار المصرية القديمة في جنوب مصر بمدن الصعيد مثل الاقصر واسوان وزار المتاحف المفتوحة مثل معبد الكرنك وابو سمبل وحتشبسوت سيري اثرا كبيرا لتقدير المصريين القدماء لكهنة المعابد. والدراما العربية الحديثة صورت هؤلاء الكهنة في صورة ساخرة حيث يظهرون وكأنهم جهلاء ودجالون ينصبون علي الناس ليحصلون منهم على الاموال, ويظهرون في صورة اناس لا يفقهون شيئا ومهتمون بالسحر. والقارئ في تاريخ الحضارة المصرية القديمة سيجد ان كل هذا محض افتراء وهراء مردود عليه. سيعرف من يقرأ جيدا الكتب والموسوعات التي تحدثت عن هذه الحضارة ان الكهنة المسمون بكهنة امون كانوا هم علماء هذا العصر. وكانوا يتفرغون ويعيشون حياتهم كلها في محراب العلم والبحث وهم الافراد الذين اتقنوا فن النحت والتحنيط واتقنوا علوم الكيمياء والفلك. وكان منهم عدد محدود لديه اهتمام كبير بعلوم السحر وبرعوا فيه. ونذكر هنا القصة الشهيرة التي اتي ذكرها في القران الكريم عن لقاء السحرة بالنبي موسي عليه السلام في ساحة النصر امام الفرعون المصري وكيف كان الرهان الصعب. وهذا يعطينا دليل ان السحر كان له مكانة كبيرة في الحياة وقتها بمصر القديمة, وكان الناس لا يتعاملون معه علي انه نوع من الدجل الرخيص ولكن كانوا يتفهمون انه موجود ولا يشكون في ذلك.
وفي الحضارة الصينية القديمة ايضا عندما تقرأ في سيرة الناس الذين عاشوا في الصين منذ اكثر من 3 الاف عام ستعرف ان السحر كان له دور كبير في الحياة وقتها وكان الناس يهابون من يعمل بالسحر وكانوا يستنجدون به في اعمال الخير وجلب الرزق حسبما كانوا يعتقدون. اما في حضارة بلاد الهند فحدث ولا حرج فهي ارض السحر منذ مئات السنين. والهند كان لها الفضل في خروج العديد من المجالات التي كان السحر مجرد المدخل لاكتشافها مثل مجال الطاقة الروحية والنيرفانا واليوجا وغيرها بعد ان كانت البشرية تري الانسان عبارة عن جسد مادي وروح لا ندري عنها شيئا الا افتراضات بأنها تعيش في العالم الاخر بعد ان تخرج من الانسان في لحظة الموت.