يدور سؤال في ادمغة كثير من الناس عن موضوع السحر وهو هل ينتشر السحر في ظل وجود مناخ ثقافي ومعرفي ومستوي اجتماعي معين؟ أم ان السحر موضوع لا علاقة له بهذه العوامل اطلاقا ويتواجد في كل مكان وزمان ولا تتحكم في وجوده عوامل خارجية مثل ثقافة ودراية ووعي الناس؟ نحاول في هذا المقال الاجابة على هذا السؤال بشكل منطقي وبسيط. ولكن في البداية من المهم ان نتقبل ان نجد نتائج قد تكون على غير ما نتوقع.
المحتويات
السحر وثلاثية الفقر و التخلف و الجهل
المستوي الثقافي
لاحظ بعض خبراء علم الاجتماع ان ارتفاع المستوي الثقافي للمجتمع قد يحمي هذا المجتمع من مخاطر كثيرة منها الارهاب الفكري والتطرف والتفرقة والتمييز. وعندما ينجح عدد كبير من هذا المجتمع يستطيع هذا المجتمع ان يحمي نفسه من مخاطر الحسد والنقمة ويتخلص نسبيا من الطاقة السلبية التي تنتشر بكثافة في مجتمعات الفقر والتخلف والعشوائية بكل اسف بسبب حرمان افراد هذه المجتمعات من الحقوق الاساسية للانسان. لكن من المثير ان السحر لم يعوقه شئ ان ينتشر حتى في اكثر المجتمعات رقيا. ويفسر بعض العلماء هذا الموضوع بأن السحر لا يغزو مجتمع وينتشر فيه بسبب الجهل او الغباء او التخلف الثقافي مثلا ولكن ينتشر بسبب الخوف والرغبات السلبية التي تعد جزء اصيل من نفسية بعض الناس. فالشر مثل الخير عامل اصيل في النفس البشرية. والرغبة في ايذاء الاخرين موجودة مهما بلغ المستوي الثقافي للانسان. لكن لا يوجد شك في ان انتشار السحر يزداد في المجتمعات الاقل تحضرا مقارنة بانحصاره اكثر في المجتمعات المتحضرة.
السحر والشرق
يظن بعض الناس ان السحر منتشر وموجود في بلاد الغرب مثلما هو موجود في بلادنا بالشرق السعيد. وهذا اعتقاد خاطئ فبرامج السحر التي نشاهدها على شاشات التلفاز مثل برامج ديفيد كوبرفيلد وغيره التي ادهشت العالم ظهر مؤخرا برامج كثيرة توضح للناس كيف كان يعتمد اساسا على الخدع البصرية وتقنيات حديثة للتأثير في عيون الناس بدون استخدام اي شئ له علاقة بالسحر الذي نعرفه. وانتشار فكرة السحر اصلا في بلاد الغرب مختلفة تماما عن حالها هنا في بلادنا التي تمتلك ميراث حضاري قديم جدا غني بالاساطير والقصص الخرافية التي شكلت جزء كبير من وعي الناس جعلهم من السهل ان يصدقون مثل هذه الامور ويؤمنون بها.
الغرب بطبيعة حضارته الحديثة بدأ يعتمد على المادية وابتعد كثيرا عن الروحانيات وكل ما يتصل بها سواء بأشياء من الممكن تصديقها والاهتمام بها او غير ذلك. لذلك نجد ان الحضارة المادية في الغرب تقف حجر عثرة امام افكار السحر والتصديق فيها او الاهتمام بها. وهذا لا يمنع انها موجودة في بعض البلاد الاوروبية والامريكية ولكن اصحابها لا يهتم بهم عدد كبير من الناس وينصرف عنهم اغلب الناس بعكس ما نجده في بلادنا.
السحر والجهل
اما علاقة معدلات الجهل في مجتمع وانتشار السحر في ربوعه نستطيع ملاحظته بسهولة جدا في بعض بلدان افريقيا التي انتشر فيها السحر الاسود كانتشار النار في الهشيم. معدلات الفقر والجهل امر مهم واساسي جدا في انتشار السحر بمجتمع من المجتمعات الانسانية. لذلك من اولويات اي مجتمع حديث ليتخلص من مخاطر امور كثيرة منها السحر والفقر والتخلف والرجعية ان يتخلص بسرعة من الجهل وتطوير التعليم ووضع استراتيجيات للنهوض بالتعليم. واقرب مثال على ذلك ما فعله مهاتير محمد منذ عشرون عاما في ماليزيا عندما انتقلت من بلد فقير متخلف وحالة التعليم فيها متدهورة وتنتشر فيها امور مثل السحر والاهتمام بالامور التافهة. فقد خصص مهاتير محمد نصف ميزانية الدولة لتطوير التعليم وكانت النتيجة نهضة اقتصادية عظيمة نقلت ماليزيا الى مصاف الدول المتقدمة. واختفت مثل هذه الظواهر تماما ومنها السحر الذي انحصر واصبح في قري فقيرة لا يهتم بها احد.