انتهينا في الجزء الاول من هذا الموضوع الشيق والعجيب الي ان تخيل الانسان او ظنه بأن ما يراه في اللحظة قد رأه قبلها ليس من الامور الغريبة او الخيالية او من امور الايهام والخيال, ولا يعد دليل علي نقص في ادراك الشخص او تراجع في درجة وعيه. وقد تأكدنا ايضا انه امر مختلف تماما عن الاحلام وما يحدث فيها من تفاصيل اخري اثناء النوم. ولكن انتهينا الي ان علماء بجامعات اوروبا والولايات المتحدة درسوا هذه الظاهرة والتي تم تسميتها بمسمي مأخوذ من احد التعبيرات الفرنسية وهي “ديجا فو” او كما قلنا انها تعني انني رأيت هذا قبل ذلك او هكذا خيل لي. لكن لم نفصل ما اكتشفه العلماء ووجدوا انه يقدم تفسيرا منطقيا لهذا الامر الذي عرفنا انه يحدث ل90% من البشر الذين خضعوا للتجارب البحثية وهي عينات كانت كبيرة وتعني ان النسبة بين البشر عموما ستكون مقاربة ايضا لهذه النسبة.
عشر ثانية !
ما انتهت اليه التجارب او اغلبها والتي تم اخضاع مئات والاف الحالات لها في مراكز بحثية مرموقة في الغرب ان الامر يحدث بسبب تأخر في الرسائل التي تصل الي الفص الخلفي للمخ من العينين. فقد وجد العلماء ان كل عين من عيون الانسان ترصد المشهد وتلتقطه ثم تحول الصورة لاشارة موجية تنتقل في اجزاء من الثانية الي المخ عبر الخلايا العصبية التي تبدأ بشجيرات عصبية كثيفة في شبكية العين الي الحبل الشوكي ومنه الي الفص الخلفي بقاع المخ وهو الجزء المسئول عن الرؤية وترجمة الصورة التي تشاهدها. ووجد العلماء ان توقيت وصول الرسالة الموجية من العينين للمخ شديدة التقارب ولذلك يكون ادراك الانسان لما يراه في وضع طبيعي. اما في حالة الديجا فو فكل ما يحدث هو تأخر الرسالة التي خرجت من شبكية احدي العينين عن العين الاخري بفارق زمني لا يزيد عن عشر ثانية وهو لازمان في ادراك الانسان لما يراه ولكن هذا الفرق الضئيل يصنع هذه الظاهرة الغريبة.
شاهدت الامر مرتين
وطبقا لما فسره العلماء نجد ان الانسان عندما يقسم بأنه شاهد هذا المشهد او ذاك قبل ذلك وكان يري ما يقوم به الناس امامه قبل ان يفعلوا او يكادوا يفعلوا وكأنه قرأ وعرف ما سوف يفعلوه قبلهم فهو غير واهم وبالفعل هو قد شاهد ما يحدث امامه مرتين. مرة باحدي عينيه ومرة بالعين الاخري وكل الفارق الزمني بين الرؤية الاولي والثانية هو مجرد عشر ثانية او اقل جعلت المشهد نفسه يصل للمخ مرتين متتاليتين فخدع المخ في الصورة وهيأ للانسان انه يري المشهد وكأنه اعادة لمشهد سابق وفي الحقيقة هو مشهد واحد وغير متكرر. تخيلوا ان فارق ضئيل كهذا مع عدم تفسير العلماء له قبل ذلك كان كفيلا بأن يفتح الاف الابواب لخرافات وتفسيرات عجيبة ما اتي الله بها من سلطان. والعلم وحده واجتهاد العلماء كان كفيلا بأن يصل الي الحقيقة الغائبة ودائما تكون حقيقة بسيطة وواقعية.
في المرة القادمة اذا تخيلت فجأة انك قد شاهدت ما تراه امامك قبل ذلك لا تخاف او تشك في قدراتك العقلية ومدي كفاءة صحتك وادراكك ولكن اعرف فقط ان هناك فارق سرعات بسيط جدا بين ما شاهدته عينك عن العين الاخري. وان الله اراد لك ان تري المشهد مرتين لتفكر كيف تحيا وكيف لا تفكر في الاعجاز العظيم المتمثل في نقل ما تراه للمخ في لحظات.