في اطار عدد من المقالات عن الامور المدهشة في توقعات بعض المنجمين القدامى والتي كان لها اثرا في التاريخ. تحدثنا عن ميشيل نوسترادموس المنجم الفرنسي الشهير والذي عاش في القرن السادس عشر الميلادي وكتب كتابا شهيرا اسمه “القرون” لانه منظوم على شكل رباعيات حسب السنوات منذ التي عاش فيها هو وحتى عام 3797 ميلادية. وقد توقع ان هذا العام هو نهاية العالم الذي نعيش فيه. وقد اوردنا مقالا سابقا عن رباعيته التي كتب فيها عن ما حدث في 11 سبتمبر 2001 بمدينة نيويورك الامريكية , وهذا المقال سنقدم جولة اخرى مع نوسترادموس وتوقعات اخر مدهشة شهدها العالم فعلا وصدق نبوءات لنوسترادموس قديمة.
سنورد الان ثلاث نبوءات اولها مقالة عن الحرب العالمية الاولى ثم عن الزعيم النازي الالماني هتلر ثم مقال نبوءة عن ما حدث ابان الحرب العالمية الثانية عام 1944 عندما ألقت طائرة امريكية قنبلتين نوويتين علي مدينتي هيروشيما ونجازاكي باليابان.
نوسترادموس والحرب العالمية الاولي
في كتاب القرون وبالتحديد في القرن التاسع, كتب نوسترادموس رباعية او نبوءة رقمها 25 يقول فيها:
“إن حربا مخيفة تدار في الغرب وفي السنة التالية سيأتي مرض ساري رهيب جدا بحيث سيهاجم الصغار والكبار حينما تكون النار والدم والحرب والطيران في فرنسا”.
تعالوا لنحاول استقرائها بطريقتنا وبعيدا عن اي تأويل سابق قام به المنجمون في عصرنا الحديث. هنا يتحدث نوسترادموس عن حرب مخيفة مروعة تدور رحاها في الغرب أي يشير هنا الي غرب اوروبا. ويعقب هذه الحرب انتشار مرض وبائي خطير ووصفه بالرهيب جدا ولم يحدد نوعه او اسمه, لكن اشار الي انه مرض رهيب جدا يصيب الكبار والصغار, واشار ايضا ان انتشار هذا المرض الخطير سيكون في نفس الوقت الذي تعاني فيه فرنسا من نار ودم وحرب وطيران!.
طبقا لنبوءة ميشيل نوسترادموس توقع ان تقع هذه الكارثة في موعد بقرب العام 1914 ميلادية. ولو تذكرنا وعدنا بالذاكرة قليلا وعدنا الي كتاب التاريخ سنجد ان هذه الفترة وقعت فيها احداث الحرب العالمية الاولى بين الحلفاء والمحور. وهي الحرب التي ظهر فيها هتلر لأول مرة بالجيش الالماني. وظهر فيها عدد من كبار قادة الحرب في اوروبا. وهي حرب كانت نتائجها كارثية علي العالم كله, ولكنها كانت سببا غير مباشر في اكتشاف البنسلين “اول مضاد حيوي في التاريخ” والذي كان سببا في القضاء على امراض كثيرة كانت تهدد البشرية حتي بدايات القرن العشرين وكانت تؤدي الي وفيات وصل اعدادها للملايين كل عام. كما كانت الحرب العالمية الاولي سببا مباشرا في بلورة فكرة منظمة الامم المتحدة والتي بدأت بعصبة الامم وتلاها ظهور منظمة الامم المتحدة.
تعالوا لنفكر في نبوءة نوسترادموس الخامسة والعشرون بكتابه القرون. هو حدد المكان بفرنسا. ومن يقرأ كتاب نوسترادموس لابد ان يعرف ان فرنسا في كل نبوءات نوسترادموس لا تشير بالضرورة الي دولة فرنسا التي نعرفها بحدودها الحالية غرب اوروبا, ولكن هو يستخدمها للاشارة الي اقليم غرب اوروبا بشكل عام. وعندما يشير مثلا الي ايطاليا فهو يشير الي الغرب المسيحي والفاتيكان. اما عندما يشير الي اسبانيا فهو يقصد العالم الجديد او ما نعرفه الان بامريكا الشمالية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية. اذن في نبوءة نوسترادموس هنا يشير الي ان الحدث يتم في غرب اوروبا بشكل عام, وفي فرنسا بشكل خاص.
الامر الثاني الذي سوف نلاحظه بسرعة وندهش عندما نعرفه هو ان في عام 1914 ميلادية وخلال احداث الحرب العالمية الاولي تفشي مرض الطاعون في غرب اوروبا وفي فرنسا خاصة , وادي هذا المرض الخطير الي وفاة حوالي 18 مليون شخص في عام واحد, ولذلك يعتبرها المؤرخون انها من اسوأ الكوارث البشرية التي حدثت في القرن العشرين. وكانت الحرب وتراكم الجثث في الشوارع لمدة طويلة سببا مباشرا في ظهور وانتشار المرض بين نسبة كبيرة من المواطنين.
اذن فقد اصابت نبوءة ميشيل نوسترادموس هذه المرة بشكل مدهش, واقتربت نبوءته الي شكل شبه صحيح في توصيف ما حدث. فقد المح الي ظواهر حدثت بالحرب العالمية فعلا سواء من حجم القتل والترويع وتفشي القتل وظهور وانتشار المرض, واعتماد الجيوش المتحاربة علي الطائرات في ضرب خصومها. وجزئية انتشار مرض الطاعون هذه كانت علامة واضحة جدا جدا لا يصعب الخطأ في تمييزها. وحتى في تفسير بعض المنجمون المعاصرين لهذه النبوءة بأحداث اخري قريبة الا ان ما شهدته فرنسا والغرب عموما في اثناء الحرب العالمية الاولى كان واضح كل الوضوح انه يناسب كل ما خطه نوسترادموس في هذه النبوءة التي كانت اكثر وضوحا واسهل واكثر مباشرة من كثير من النبوءات الاخرى في كتابه.
نوسترادموس وابن ألمانيا هتلر
في كتاب القرون وبالتحديد في القرن الثاني, كتب نوسترادموس رباعية او نبوءة رقمها 24 يقول فيها:
“البهائم التي يدفعها الجوع ستعبر الأنهار , والجزء الأعظم من ساحة المعركة سيكون ضد هسلر . سيجر القائد العظيم في قفص حديدي عندما لا يراعي ابن ألمانيا أي قانون”.
تعالوا لنحاول استقرائها بطريقتنا وبعيدا عن اي تأويل سابق قام به المنجمون في عصرنا الحديث. هنا يتحدث نوسترادموس عن بهائم يدفعها الجوع فتضطر لأن تبحث عن نجاة بعبور نهر من الانهار. ثم ينفصل عن هذه الصورة ويقول الجزء الاعظم من ساحة المعركة سيكون ضد هسلر. ثم ينفصل مرة اخري عن الصورة الاخيرة ويكمل قائلا سيجر القائد العظيم في قفص حديدي عندما لا يراعي ابن ألمانيا أي قانون. ماذا يقصد نوسترادموس بهذه الصور الثلاث التي رتبها ونظمها في رباعية ونبوءة واحدة؟
طبقا لنبوءة ميشيل نوسترادموس توقع ان تقع هذه الاحداث في موعد بقرب العام 1945 ميلادية. واذا جمعنا أبرز الدلالات في هذه النبوءة وقربناها من هذا التاريخ سنجد هذه الدلالات هي “هسلر, ابن ألمانيا, معركة”. نوسترادموس بلا أدني شك رأي احداث الحرب العالمية الثانية بتفاصيلها. فهو يروي في هذه النبوءة قصة صعود ابن المانيا الذي أخطأ في حرف واحد من اسمه وربما اخطأ قاصدا ومتعمدا فسماه “هسلر” بدلا من زعيم النازية الشهير “هتلر”. من يكون ابن المانيا الذي لم يراعي أي قانون في معركة حدثت بعام 1945 غير هتلر؟ انه هو بالتأكيد.
أما المعركة فهي بدون شك الحرب العالمية الثانية وقد وصفها وصف دقيق حيث انتشرت الامراض بين البشر وحتى الحيوانات “البهائم”. واصيب عدد كبير بالجفاف والطاعون وكثير من الامراض. وراح ضحية هذه الحرب ملايين الارواح وشهدت مجازر مروعة واحداث جسام لن ينساها العالم ابدا. وقد اشار نوسترادموس في نبوءته الي حقيقة ان اغلب القوات في هذه المعركة كانت في تحالف ضد ألمانيا النازية التي يقودها هتلر في الحرب. وقد اجتمعت هذه القوي الكبري لاسقاطه وقد سقط بعد معركته في روسيا وضياع جيشه وسط ثلوج سيبيريا, وانتهي به الحال الي مصير غير معلوم.
الجزئية التي لا ندري ما المقصود بها في الحقيقة هي التي يقول فيها قائد عظيم سيجر في قفص مثل الحيوانات. فتاريخ الحرب العالمية الثانية لم يشهد شئ نستطيع ان نقول انه كان يقصد هذا مثلا. لكن قد تكون الصورة رمزية وتشير الي قائد انهزم على ايدي هتلر الذي كان لا يرحم وقد قتل ملايين الارواح داخل وخارج المانيا. ولم يكن يراعي اي قانون وخرج عن كل القوانين حتي عن الفطرة البشرية. فقد كان تقديسه للجنس الاري فوق كل الاعتبارات والقوانين والاعراف.
وعندما ننظر في تفسيرات وتأويلات المنجمين والمفكرين وبعض الكتاب عن هذه النبوءة في كتاب نوسترادموس العجيب. نجدهم بالفعل قاموا بمثل ما قمنا به ووجدوا ان نوسترادموس يشير بالتأكيد الي هتلر واحداث الحرب العالمية الثانية. واكدوا ان الاف الماشية كانت بشهادة بعض المؤرخين الذين عاشوا في منتصف القرن العشرين ابان الحرب , راوها تعاني من الجفاف والامراض التي كانت تقضي على ثروات بلاد اوروبا من رؤوس الماشية فعلا مما اضطر هذه الدول للاعتماد علي ثروات الدول التي كانت تحتلها في شمال افريقيا وغرب افريقيا وامريكا اللاتينية وشرق اسيا. ويقول بعض المؤرخين انهم كانوا في ذهول عندما وجدوا المشهد الذي راوه بأم اعينهم مكتوبا وموصوفا في نبوءة نوسترادموس ويقصدون هنا عبور البهائم للنهر هربا من الموت والجوع والجدب.
نوسترادموس وحادثة هيروشيما ونجازاكي
في كتاب القرون وبالتحديد في القرن الثاني, كتب نوسترادموس رباعية او نبوءة رقمها 6 يقول فيها:
“قرب الميناء وفي مدينتين ستحدث كارثتين ليس لهما مثيل جوع وطاعون في الداخل
, وناس يطرحون الي الخارج بفعل السيف. وسوف يبكون من أجل الحصول على مساعدة من الله العظيم الأبدي”.
تعالوا لنحاول استقرائها بطريقتنا وبعيدا عن اي تأويل سابق قام به المنجمون في عصرنا الحديث. هنا يتحدث نوسترادموس عن مدينتين يقعان بالقرب من ميناء يتعرضان لكارثة مروعة غير مسبوقة في التاريخ, ويتبعها انتشار مرض خطير يعصف بملايين الارواح. وتضطر هذه الكوارث ان يتضرع الناس الاحياء الي الله طلبا للنجاة.
طبقا لنبوءة ميشيل نوسترادموس توقع ان تقع هذه الكارثة في موعد بقرب العام 1944 ميلادية. ولو تذكرنا وانعشنا الذاكرة قليلا وعدنا الى كتاب التاريخ سنجد ان هذه الفترة وقعت فيها كارثة كانت هي الاولى وربما تكون الاخيرة في العالم. ونحن نقصد هنا كارثة القاء قنبلتين نووييتين من قبل الجيش الامريكي على مدينتي هيروشيما ونجازاكي في اليابان وكانت سببا رئيسيا في انهاء الحرب العالمية الثانية لصالح قوات الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة الامريكية. وقد اسفرت هذه الكارثة عن وفاة اكثر من 45 الف انسان فورا في اللحظة الاولى, وتبعهم اكثر من 300 الف انسان كانوا ضحايا الاشعاع النووي الذي نتج عن القنابل النووية.
كانت كارثة بالفعل غير مسبوقة وبالفعل تقع مدينتي هيروشيما ونجازاكي بالقرب من ميناء يطل على مياه المحيط الهادئ الكبير في اقصى شرق العالم. ونجح ميشيل نوسترادموس في تحديد التاريخ القريب للكارثة, ونجح في توصيف المصيبة بأنها كارثة غير مسبوقة وهذا قد حدث فعلا. كما حدد اقرب شئ يستطيع توصيفه طبقا للمفردات المتاحة لديه فقد كان في زمنه الطاعون هو المرض العضال الذي عندما يتفشي لا ينجو منه احد. ومن الامور المعروفة ان الاشعاع النووي الذي نتج عن القاء هذه القنابل كان له اثر قاتل وتفشي مثل الطاعون في اليابان وقضي على اجيال كاملة وتسبب في امراض السرطان لأجيال لاحقة , وتسبب في تشوهات ووفيات لأجنة وحالات اجهاض, وفساد للبيئة النباتية والحيوانية.
هل هذا هو ما فسره المنجمون المعاصرون في الغرب والشرق لهذه الرباعية او النبوءة التي اوردها ميشيل نوسترادموس في كتاب القرون؟
نعم فقد فسروها مثلما فعلنا بالضبط ولكنهم لاحظوا ان الفارق بين الطاعون واثر القنابل الذرية كان يسبب بعض الاختلاف لكن انتهوا بعد تدقيق ان التقارب فعلا موجود اذا فكرنا في ان اللغة التي اتاحتها الظروف لنوسترادموس حتي يكتب هذا الكلام كان الطاعون هو اللفظ المعبر عن اي مرض خطير او ظاهرة مرضية خطيرة تتفشي في الناس. واكدوا ان قصد نوسترادموس بالطاعون في اي نبوءة ليس بالضرورة ان يكون مرض الطاعون الذي كان يتفشي منذ سنوات طويلة في بعض البلاد ويقتل الالاف والملايين.
هذا هو ميشيل نوسترادموس الذي يتركك في حيرة بعد ان تقرأ نبوءة غير واضحة ثم تفكر وتقرر ان هذه النبوءة كان يقصد بها شئ محدد. وكثير من نبوائته تجدها هكذا وسوف تتابعون وترون ذلك بأنفسكم في مقالات اخري قادمة. نعدكم ترون العجب فعلا في نبوءات غريبة تحققت, ثم نفاجئ بتنبؤات اخرى لا زالت من المتوقع وقوعها في المستقبل. سنحاول ان نفكر فيها معا ونرى هل يصح ان تقع وهل نستطيع توقعها بنوع من التفصيل من الان؟ سنحاول وانتظرونا لعلنا نصيب.